معاينة AMnews

فورين أفيرز: أميركا وحلفاؤها يعيدون كتابة قواعد الإنفاق والتجارة

فورين أفيرز: أميركا وحلفاؤها يعيدون كتابة قواعد الإنفاق والتجارة

نشر موقع فورين أفيرز (Foreign Affairs) الأميركي مقالا مطولا حول ما سماه التحول الدراماتيكي في التفكير الاقتصادي الذي يحدث الآن ليس فقط في الولايات المتحدة ولكن أيضا بين العديد من حلفائها وشركائها.

ويوضح المقال الذي كتبته للموقع فيليسيا وونغ رئيسة معهد روزفلت للأبحاث (Roosevelt Institute) أن هذا التحول هو التطور الأكثر أهمية في الاقتصاد حيث يبتعد عن الإجماع النيوليبرالي السائد منذ فترة طويلة لصالح رؤية جديدة شاملة للنمو الاقتصادي على أساس تفضيل العمل على الثروة، والحفاظ على الكوكب على الربح.

وقالت وونغ إنه من خلال القيام بذلك تتحرك إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن جنبا إلى جنب مع الحكومات الجديدة المعاد انتخابها مؤخرا في كندا وألمانيا واليابان، والتي تنتهج سياسات توسعية تهدف إلى معالجة عدم المساواة وإزالة الكربون عن الاقتصاد (اقتصاد صديق للبيئة).

وأضافت أنه في غضون ذلك يتحرك القادة في فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة في اتجاه مماثل مستخدمين أدوات سلطة الدولة لتعزيز رفاهية الإنسان والصناعات الخضراء.

ويستخدم العديد من هؤلاء القادة أيضا قوة الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الوطنية لترويض وفرض ضرائب على الاحتكارات الرقمية التي تتسبب بشكل متزايد في الخراب بالديمقراطيات في جميع أنحاء العالم.

وأشارت الكاتبة إلى أنه على مدى السنوات الست الماضية -خاصة منذ بدء وباء “كوفيد 19”- خلص القادة وصناع القرار في العديد من الديمقراطيات المتقدمة إلى أن الإصلاحات الهيكلية العميقة ضرورية لمواجهة الشعبوية اليمينية التي جلبت الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وشخصيات سياسية أخرى إلى السلطة.

وتعيد إدارة بايدن والحكومات ذات الرؤية المماثلة التفكير في هذا النهج لصالح السياسات التي تسعى إلى وضع معايير جديدة للتجارة الدولية واستخدام الاستثمار العام لمعالجة قضايا، مثل عدم المساواة في الدخل.

تعيد إدارة بايدن والحكومات ذات الرؤية المماثلة التفكير في سياسات تسعى إلى وضع معايير جديدة للتجارة الدولية واستخدام الاستثمار العام لمعالجة قضايا، مثل عدم المساواة في الدخل

إجماع واشنطن

وقالت الكاتبة إن التقارب الدولي الواسع حول إطار اقتصادي جديد يعد أمرا مهما، لأنه ولعقود من الزمن كان هناك تقارب مماثل في الاتجاه المعاكس، إذ كان صانعو السياسات الدوليون يفضلون الانفتاح التجاري قبل كل شيء سعيا منهم إلى تحرير الأسواق ودعم القواعد الموجهة نحو السوق لمنظمة التجارة العالمية، وكان هذا هو ما يسمى إجماع واشنطن، وهو النهج الذي تمت صياغته في الثمانينيات على أساس الأفكار النيوليبرالية للخصخصة وإلغاء القيود، والآن تعيد إدارة بايدن والحكومات ذات الرؤية المماثلة التفكير في هذا النهج لصالح السياسات التي تسعى إلى وضع معايير جديدة للتجارة الدولية واستخدام الاستثمار العام لمعالجة قضايا، مثل عدم المساواة في الدخل.

ومن بين الدوافع وراء رؤية بايدن الاقتصادية اعتراف فريق السياسة الخاص به بأن عقودا من تحرير التجارة تسببت في ضرر حقيقي للناخبين، وكان الاستياء الشعبي من السياسة التجارية أحد الديناميكيات الحاسمة للحملة الرئاسية لعام 2016.

واستمرت الإدارة الجديدة -على الرغم من خروجها عن العديد من سياسات عهد ترامب- في الابتعاد عن التوسع التجاري كهدف أساسي للسياسة الاقتصادية، وأوضح مستشارو بايدن الاقتصاديون أن الولايات المتحدة لن تسعى إلى اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي أو أي اتفاقية تجارية أخرى في هذا الصدد حتى يقر الكونغرس تشريعات إنفاق محلية رئيسية جديدة ويعيد المفاوضون الدوليون كتابة قواعد التجارة لتشمل حماية العمال والبيئة.

الإجراءات المقترحة

ومن بين الإجراءات التي اقترحها مسؤولو بايدن لإعادة تشكيل نظام التجارة الدولية:

وعلقت الكاتبة بأن مثل هذه الجهود للسيطرة على الآثار الاجتماعية للتجارة تتعارض بشكل مباشر مع النهج السائد المتبع في واشنطن على مدى عقود، والذي سعى إلى تشجيع التجارة الدولية غير المقيدة.

وأضافت أن جهود فريق بايدن هذه تتزامن مع سياسات اقتصادية مماثلة، مثل الصفقة الأوروبية الخضراء التي تنفذها الحكومات الأخرى لمكافحة تغير المناخ، ومحاربة احتكارات الشركات الدولية، وفرض قواعد الضرائب الدولية.

هذا هو السبب في أن البيان الرسمي لقمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في كورنوال في يونيو/حزيران الماضي كان مختلفا تماما عن بيانات المجموعة في الأعوام الماضية، فبدلا من الأسف على نهج “الحمائية” ونهج الانتظار والترقب بشأن تغير المناخ يقر بيان عام 2021 علنا بالمكاسب غير المتكافئة التي نتجت عن التجارة، ويحدد أهداف للحد من انبعاثات الكربون حسب الصناعة، وفق ما تذكر الكاتبة.

إعادة كتابة القواعد

يتضمن تقرير مجموعة الدول السبع عدة نقاط رئيسية، منها: ألا يُنظر إلى تحرير التجارة على أنه غاية في حد ذاته، ولا يقتصر الأمر على التعريفات الجمركية بمعدلات منخفضة تاريخيا فحسب، بل إن مجموعة متزايدة من الأبحاث الاقتصادية أظهرت أنه منذ التسعينيات لم تكن العديد من الاتفاقيات التجارية للعصر الليبرالي الجديد مفيدة بشكل خاص، وفي كثير من الحالات كانت ضارة بالعمال في الولايات المتحدة وخارجها.

وللمضي قدما، يجب أن تركز الحكومات بدرجة أقل على الاتفاقيات التجارية التي تركز على خفض التعريفات في حد ذاتها، وبدرجة أكبر على الاستفادة من التجارة في خدمات المعايير التنظيمية الأكثر قوة، خاصة لتشجيع الإنتاج المستدام.

والنقطة المهمة هي تشجيع الاستثمار الذي سيساعد قطاعات الاقتصاد الجديدة المرغوبة على النمو بدلا من التركيز على الاستهلاك الفوري، وفي الواقع تساعد الانخفاضات في الاستثمار العام على تفسير مشاكل سلسلة التوريد التي تعصف الآن بالموانئ والإنتاج الصناعي.

وفي التحول الاقتصادي الجديد -تقول وونغ- يجب على الحكومات أيضا الاستثمار باتجاه سياسات محددة، فعلى سبيل المثال يقوم العلماء بتطوير العديد من التقنيات الواعدة لتمكين الصناعات المختلفة من تقليل انبعاثات الكربون بسرعة أكبر، ولكن لوضع هذه التقنيات في حيز الاستخدام على نطاق واسع فإنها تحتاج إلى الحكومات لإنشاء الأسواق ودعمها.

ومن خلال القيام باستثمارات واسعة النطاق في منتجات مثل الصلب الأخضر يمكن للحكومات إنشاء أسواق وإعداد ابتكارات جديدة لاستثمارات القطاع الخاص على نطاق واسع، ويمكنها أيضا إجراء استثمارات عامة في التقنيات الجديدة التي لا تستطيع الشركات تمويلها أو لا تمولها، وفي كلتا الحالتين يمكن للحكومات العمل مع المجتمعات داخل وحول المنشآت الصناعية الجديدة لضمان مشاركتها في المكاسب.

أخيرا، تحتاج الحكومات إلى إصلاح شامل لكيفية فرض الضرائب على الشركات والأرباح الأعلى دخلا وتنظيمها.

وتعتبر الاتفاقية الدولية التاريخية التي تم التوصل إليها هذا الخريف لوضع حد أدنى للضريبة بنسبة 15% على أرباح الشركات خطوة في الاتجاه الصحيح، وللمرة الأولى تعهدت أكثر من 130 دولة بالالتزام بحد عالمي أدنى لمعدلات الضرائب.

أفضل دفاع عن الديمقراطية

في الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأخرى توجد عناصر أجندة اقتصاد سياسي قوية جديدة، ومع ذلك فإن ترجمة النهج الجديد إلى قواعد جديدة ستتطلب مواجهة آثار سيطرة الشركات عندما تسيطر مصالح القطاع الخاص الكبيرة على سياسة الحكومة، وهي ظاهرة أعاقت في الأشهر القليلة الماضية الجهود الطموحة للإبقاء على تكلفة الأدوية منخفضة.

ففي الولايات المتحدة قاومت المصالح القوية في واشنطن جهود إدارة بايدن لتمكين “ميديكير” (Medicare) من التفاوض بشأن أسعار الأدوية لجعلها في متناول الجميع، وعارضت الحكومة الألمانية تخفيف قواعد الملكية الفكرية لمنظمة التجارة العالمية لتسهيل الوصول إلى اللقاح العالمي.

لقد تحدى إجماع كورنوال الدول الغنية -تقول الكاتبة- لتبني وجهة نظر اقتصادية جديدة للعالم يمكن للدولة من خلالها استخدام قوتها للحد من تأثير الشركات وتقديم حماية جديدة للعمال والبيئة.

Exit mobile version