معاينة

التايمز والبوست بين زمنين!

أحمد الفراج

مر زمن، خصوصا أثناء إقامتي في الولايات المتحدة، كنت أحرص خلالها على الإطلاع على صحف بعينها، تميزت بالاستقلالية والحياد نوعا ما، حيث لا يوجد إعلام محايد، في هذا العالم الذي نعيش فيه، ويأتي على رأس هذه الصحف، جريدة النيويورك تايمز، العالمية والواسعة الانتشار، والتي بإمكانها أن تصنع الفارق في انتخاب الرئيس الأمريكي، إذ أن الصحف الأمريكية الكبرى، وقبل يوم الانتخابات الرئاسية، تعلن دعمها لهذا المرشح أو ذاك، وغالبا ما يؤثر ذلك على رأي الناخبين من قرائها، الذين يرون فيها معقلا لأهل الفكر والثقافة، المطلعين على خبايا ما يدور خلف الكواليس وفي الغرف المغلقة، وبالإضافة لجريدة التايمز، كنت أحرص على قراءة جريدة الواشنطن بوست، وما أدراك ما واشنطن بوست!.

إنها الصحيفة، التي صنعت تاريخا لن يتكرر، إذ كانت نواة استقالة واحد من أشهر رؤساء أمريكا، ريتشارد نيكسون، التي كتب محررها الشهير، بوب وودوورد، أشهر التقارير عن تجسس الحزب الجمهوري على الحزب الديمقراطي، وهي الفضيحة التي أطاحت بواحد من ثعالب السياسة الدولية، كما كنت حريصا على قراءة جريدة شيكاقو تريبيون، ولوس أنجلوس تايمز، وميامي هيرالد، فهل لا زالت هذه الصحف كما كانت، أم أنها تغيرت، كما تغيرت القيم الأمريكية الراسخة؟!، وبنظرة فاحصة ومحايدة، أستطيع القول إن الإعلام الأمريكي برمته، وليس فقط هذه الصحف، تغير منذ أكثر من عقدين، فأصبح مسيسا إلى حد كبير ، فبعد أن كان نبراسا للساسة، ومنبرا يوجه الرأي العام، أصبح ميدانا، يتسابق من خلاله كتاب التقارير والمقالات للإعلان عن الولاء لهذه السياسية أو تلك، أو لهذا السياسي أو ذاك.

في عام 2004، لم أصدق وأنا أتابع استقالة، أو بالأحرى إقالة المذيع الشهير، دون روذرز، كبير مذيعي شبكة سي بي اس، وذلك لأنه أغضب إدارة بوش الابن وديك تشيني، فقد تعودنا أن يحدث ذلك في العالم الثالث، ومنذ متى يتم طرد إعلامي أمريكي كبير وشهير لأجل ألا يغضب رئيس الدولة، وغني عن القول إن أحداث سبتمبر كان لها دور كبير في انتكاسة الإعلام الأمريكي، وما كتبته سلفا هو مقدمة لما نشاهده اليوم من تقارير ومقالات عن المملكة، في ذات الصحف المرموقة، فالأمر يوحي بأن الصحف أصبحت سلعا في سوق اللوبيات المتنفذة، ومن يستطيع أن يجابه لوبيات واشنطن، فبعض التقارير التي تنشرها النيويورك تايمز والواشنطن بوست عن المملكة حاليا، هي عبارة عن ترجمة للخزعبلات التي تنشرها المعارضة السعودية في الخارج وإعلام الدول المعادية، فهل يعقل أن يحدث ذلك في بعض أعرق صحف الولايات المتحدة، التي علمتنا معنى كلمة « الإعلام الحر»؟!، والجواب هو نعم، للأسف الشديد، وربما أن لهذا الانحدار المهني بقية، تجعلنا نترحم على الانحدار الحالي، فكونوا على إهبة الاستعداد لذلك!

إلغاء الاشتراك من التحديثات
Exit mobile version